تاريخ المقام

كانت نقطة البدء إخلاص السالفين من متولّي المقام – آل مرتضى –  في التزامهم بالوفاء لوصيّة الوقف الشرعي حيث كان المقام في غابر الزمن أقرب ما يكون: غرفة من طين تضم في ثراها الطيب قبر العقيلة الطاهرة زينب عليها السلام.

وفي وثائق التاريخ المنظور أن السيد موسى مرتضى جدّ المتولين رضوان الله عليه قد انصرف بكل إيمانه في عام 1840 م و اتّجه ببذل أمواله لتشييد الحرم المبارك، ولم أجد ما استُند إليه خيراً من نص ورد في مقالة منشورة لمؤرخ دمشقي يصف حال المقام في ذلك العهد، وقد تربع بين أشجار الزيتون بطول ضلعه 26 متراً.

وارتفاعه 6 أمتار ورض جدرانه 150سم يحاكي ما كانت تبنى عليه بيوت القرية الآمنة بين أحضانه الوادعة.

وقد تواتر الحديث عن بعض الرحّالة أنه بني من اللُبن وهي صفائح من الطين المسلح بالتبن، وأما عن قواعده فهي من الحجر المرصوص بمكلسات ما تعاهد عليه الناس من وضع القواعد.

ومضت بعد ذلك السنين ليقترن تجديد المقام الواسع بجهود المتبرعين ولجنة الإشراف ولم يكن خافياً على أحد من داخل الشام وخارجها إصرار السادة آل مرتضى على أن تكون نقطة الابتداء من توسعة الأرض لتشمل أفق الخرائط الموضوعة لجميع المنشآت.

فيما بني السقف المرفوع من ألواح الخشب المؤلف من الغضار المحض تعلوه طبقة من الزريقة وقشر القنّب، لتحوطه الجدران المحمولة على أقواس ترتكز عليها أعمدة السقف لتمتد على أربعة أقواس تحمل القبّة المبنية من الآجر المتمازج بحمرته مع احمرار خيوط الشمس.

ويروي الأبناء عن الآباء عن الأجداد حكاية الأرض التي باركها الله سبحانه بكرامات السيدة زينب (ع)، ولا يُذكر الشريف السيد سليم مرتضى رضوان الله عليه إلّا ويذكر أهل الحي سوابق يديه لتجديد المقام المقدس من القرميد المحمول على هيكل خشبي وطالما شهده الزوار والمؤمنون ساهراً آناء الليل وأطراف النهار ليكسو القبّة المنوّرة بصفائح من المعدن.

خشية أن ينهار سقف الحرم كما انهار ذات شتاء قارس برعد الآطام وغزير المطر وكأن يد السماء شاءت أن تقلع السقف القديم لتعلي صروحه الجديدة بتصميم قل نظيره في كل طراز معماري يطابق بين بلاغة الرمز الشامخ وبلاغة المعمار الصلد.

وبالرغم من هشاشة التربة والمياه الجوفية فقد عملت لجان الإشراف المتعاقبة لمجالدة الظروف الصعبة والتغلب على خطوب الأيام وحوادث الزمان.

وعلى يديها تضوأ المقام بطرازه الإسلامي، وسيّجته الإنارة البيضاء من جميع مواقعه وفتحت أبوابه للزوار الوافدين نحو بيت الحوراء عليها السلام، يستحثون اسمها الرضي بشفاعتها تعظيماً لشعائر الله وفي وجدانهم:

{ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}

سورة الحج الآية 2.

يعتبر مقام السيدة زينب عليها السلام في بلدة راوية في غوطة دمشق من أهم المزارات الروحية ومن روائع فن العمارة الإسلامية يزوره المؤمنون من جميع أقطار العالم وقلوبهم مفعمة بالإيمان فينعمون في عتباته الطاهرة بنفحات سماوية تملأ أحاسيسهم بعبق التقوى والخشوع.

لم يصل مقام السيدة زينب (ع) إلى ما وصل إليه من ألق الرفعة وتواتر الاشتهار تهوى إليه الأفئدة من جميع أنحاء الدنيا إلا بفضل جهود متواصلة وعطاءات مباركة قام بها المتولون المتعاقبون من أشراف آل مرتضى من نقباء وقضاة وأعلام توارثوا الولاية على المقام الشريف بموجب وصية الوقف وشروط الواقف.

جدّ الأسرة الكريمة المؤيد السيد حسين بن شيخ الإسلام موسى من أعلام القرن السادس الهجري الذي وقف جميع أملاكه في قرية راوية المعروفة ببلدة قبر الست احتساباً إلى الله سبحانه في تنظيم شعائر الله وإحياء أمره، وقد تم توقيع الوقف المذكور في عقد الواقف المؤرخ في أواسط ربيع الأول 768 هجرية.

وذلك نقلاً عن الأعلام الشرعيين المؤيدين له، والصادر عن المحكمة الشرعية بدمشق بتاريخ 9 ربيع الأول سنة 1010 هـ، كذلك تم توثيق هذه الوقفية بأقلام وإمضاء أكابر العلماء والفقهاء والمحدثين منذ صدورها وحتى الراهن المعاصر يقوم على تنفيذها الأرشد فالأرشد من ذرية الواقف وما زال العمل سارياً بهذه الوقفية التاريخية.

حتى الآن أفتى كبار المراجع والفقهاء بجواز دفع الحقوق الشرعية من سهم الإمام وغيره لإعمار المقام الزينبي الشريف، وما يتصل به من مؤسسات وخدمات ومشاريع ناجزة ومستقبلية نذكر منهم:

الإمام السيد حسين البروجردي والغروي والنائيني والإمام السيد محسن الحكيم والأمين العاملي وشرف الدين والموسوي الأردبيلي والإمام موسى الصدر ومحمد الشريعة وآخرون من العلماء والمجتهدين الذين كانت لهم سوابق الفضل في رفع قواعد هذه الروضة الزينبية المباركة على مدى عقود عملت خلالها لجنة الإشراف على ترجمة العطاء إلى صروح ترفرف باسم الطاهرة زينب عليها السلام، اطمأنت لجنة الإشراف إلى أنها ستحقق بالصبر مرادها من بناء العمارة في المقام الزينبي فقويت العلاقة واشتدت الملازمة بينها وبين المتبرعين، حتى إذا توفرت الإمكانات اللازمة وُضع أمامها المخطط الأمثل لدمج رؤيتها التأسيسية و ادغامها في خريطة الواقع.

وقد بلغ من اللجنة ذلك الاطمئنان في عملها الرفيع السامي فهي لم تقنع بمجرد ترميم ما كان بل زادت عليه مساحات من الأرض، وأصلتها بين أجزاء المقام ومعالمه لتستخدمها في كل معمور جديد من مراكزه.

وتحاشياً لإساءة استعمال المنطقة الواقعة حول المقام مباشرة قامت لجنة الإشراف بالتنسيق مع وزارة الأوقاف السورية باستصدار مرسوم جمهوري يقضي باستملاك منطقة توسعية حول المقام مساحتها 000,150 ألف متربع تعتبر حرماً للمقام ومؤسساته فلا تنشأ عليها إلا أبنية تؤدي الخدمات اللازمة لزوار المقام بالإضافة إلى الحدائق والمساحات الخضراء كذلك قامت وزارة الإسكان والمرافق العامة بوضع مخطط تنظيمي لبلدة – قبر الست – آخذة بعين الاعتبار استملاك الأراضي المحيطة بالمقام وقد اعتمد هذا المخطط من السلطات المختصة.

منذ العام 1952 ابتنت لجنة الإشراف من الضعف قوة حتى يلبس المقام حلته البديعة وما نراه الآن من حولنا ناطق عن فصول البدايات الأولى وهي تروي قصة العمائر التي خرجت من الطين، وقد تم تصميم الحرم و تنفيذ أعماله بين  اعوام 1954 –  1959، وجرى تنفيذ جناح الخدمات وفناء الصحن، وتزيين الواجهات بين أعوام 1970 – 1975 وصولاً إلى تنفيذ التحديثات والأروقة بين أعوام 1980- 1984 مع تقدم ملموس وصروح رائدة منظورة، و بكلمة فإن المرحلة الفاصلة بين القديم والجديد من تاريخ المقام الزينبي لا تصل إلى قرن من الزمان ارتفع خلالها سقف بمداخل المقام الأربعة، واستخدام المرايا في كسوة الأقسام العلوية من جدران حرم السيدة وكسوة قبتها بالذهب بفرادة فنية متناغمة مع الوظيفة الروحية لمركز المقام المبارك، وتأكيد رسالته التي يفخر بها جميع المسلمين في أقطار العالم بأجمل ما توصلت إليه الزخارف الفنية، وبهيج الهندسة والألوان التي اجتمعت بعبقرية الفن السوري والإيراني في جمال وكمال، حتى غدا هذا المكان المتواضع وخلال عقود روضة مقدسة متنامية على الدوام ولها مستقبل ثقافي متميز في دنيا المستقبل الواعد بسلام الأديان وحوار الحضارات على نهج أئمة أهل البيت عليهم السلام ويتفق الزوار على أن فضل ما أنجزته لجنة الإشراف يرجع إلى الاستمرارية الفريدة التي تملأ الروضة الزينبية المباركة بالتوق العارم لإتاحة الفرص لإنعاش الحياة الاقتصادية والعمرانية في واحات السيدة زينب عليها السلام وهي تخصب في المكان والسكان بكل أصيل يصاحب التطور على مد آثاره الاجتماعية والتنموية ولا يزال أمام لجنة الاشراف شوط طويل عليها أن تقطعه للوصول إلى تحقيق المشاريع الثقافية والصحية والدينية والسياحية المحتفظة بالهوية الروحية العريقة لمدينة السيدة (ع)، وهي الآن من كبريات الريف الدمشقي الجميل.

وتسعى الدراسات المستقبلية للمواءمة بين شخصية المدينة الروحية وحاجتها الملحة للتحديث لترسم في المدى القريب مسار نموذجيتها في ملامح قسماتها وفصولها ومازالت هذه الروضة المباركة من رياض أهل البيت عليهم السلام تجذب اهتمام المريدين بوصفها عنواناً مضيئاً لبركة المكان وإيمان السكان، وربما يعدنا المستقبل المنظور بترصيف الطرق ليُحاط المقام بأحياء من معاهد التعليم ومعارض الكتاب وحدائق الأشجار والزهور.

وفي بال لجنة الإشراف أن تحافظ على حزام أخضر لابد منه ليحيط بالمقام، ليسري روح المقام الزينبي في الحاضر سريان الضوء في إبداع العمارة وتراثها الإسلامي وقد انصبت أفكار لجنة الإشراف على بذل طاقة التعاون كله لتطوير البناء القائم في الجهة الشمالية الشرقية من الصحن المبارك، حيث انبثقت الأعمال الدفاقة عن صرح جديد هو مجمع السيدة زينب للمعلومات والأبحاث ضمن أسرة علمية تضم قاعة الباحثين ومنتدى العلماء وخزائن الكتب وفرائد المخطوطات، كان ذلك بعد إنجاز أول مستوصف خيري وتدشينه باحتفال تاريخي أقيم برعاية وزير الأوقاف وضم نخبة من رجال العلم  والدولة.

وبعد إحداث مقبرة السلام في الجهة الشرقية من المقام بموافقة استثنائية من رئاسة مجلس الوزراء السورية، وُضعت تصاميم هذه المقبرة بصورة تليق بتكريم الميت ورعاية الشروط الفقهية لمثواه.

اعتاد زوار المقام أن يقدموا أضاحي ونذورات من الأنعام لتذبح في مسلخ المقام ثم توزع كلها على الفقراء، ولهذا قررت لجنة الإشراف استحداث مسلخ جديد مبني على أحدث الأسس وتتوفر فيه كل الشروط الصحية، وتحتفظ الإدارة المعنية بهذا الأمر بسجلات أسبوعية وشهرية بأسماء الناذرين وأسماء المستفيدين من هذه الأضاحي.

كذلك تحقق التقدم العمراني الذي واكبته لجنة الإشراف في السنين الأخيرة ومع كل إنجاز جديد يمتد الأمل إلى إضافة أخرى متسقة مع الأركان الأساسية في شخصية المقام الروحية لنراها في المعالم والصروح المضيئة بمعنى رسالة السيدة في الوحدة والتوحيد، فاتجهت اللجنة لتشيد مصلى التوحيد بجميع مرافقه لإحياء صلاة الجمعة والجماعة ومجالس الذكر والدعاء، وبذلك يمكن القول أن تطوراً جذرياً قد حصل في هذه المرحلة من التاريخ  التي شهدت إنجاز البنى التحتية وخدماتها،  وكان للتعاون والتشاور الدائم بين المتولين والمتبرعين أكبر الأثر في اتخاذ القرارات الحكيمة والرشيدة على عين الله ورضاه.

تجدر الإشارة إلى أن ما تم حتى الآن حتى الفني والعمراني كان يرافقه تنظيم إداري ومحاسبي وذلك منذ العام 1952، حيث وضعت اللجنة نظاماً متكاملاً لضبط الإيرادات والنفقات ومهام العاملين على مختلف تخصصاتهم، ووضع الخطط والدراسات لتوفير الازدهار المرجو من إعمار المقام وتوسعته.

ومن مشروع ناجز إلى مشروع واعد يزهو المقام الزينبي الشريف في أسطع أعماله الوسيعة التي أنجزت خلال الأعوام الأخيرة لينعم الزوار بكل ما استطاعت لجنة الإشراف أن تقوم به من توسعة جميلة وحيوية لا تشوبها شائبة على أساس تلبية الحاجات والضرورات فإذا استطاعت لجنة الإشراف توفير الميزانيات اللازمة لمشاريع المستقبل استطاعت بالتالي أن تنهض لتنفيذ الدراسات في شتّى ميادين التوسعة المرجوة بجهود المخلصين، فالشجرة الطيبة لا تخضر باعتمال ذاتي في جذوعها وفروعها وأوراقها ما لم تتوفر لها العوامل المحيطة بها من غذاء وماء وهواء وضوء لتثمر دائماً بكل ما هو أفضل و أحسن.

0
ارتفاع المأذنتين

يبلغ ارتفاع المئذنتين أكثر من 50 متراً و قطر 2,5 م

0
زائر

 يزور المقام 1,300,000 زائر سنويا

0
مساحة المقام

يمتد المقام الشريف على مساحة 15000متر مربع

النشرة الاخبارية

سجل الان لتصلك احدث الاخبار

تواصلوا معنا

تواصلوا معنا

الفيس بوك
الانستغرام

العنوان

دمشق، سوريا

00963116495555
00963930313613
00963930313623
info@atabazainabia.com

العتبة الزينبية المقدسة جميع الحقوق محفوظة 2023 ©